وهذه الفرق انشقت عن الجماعة، وخالفت قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه)) [الأنعام:153] فاتخذت دينها شيعاً، وتفرقت عن الدين، وأقدم هذه الفرق على ما يظهر لي هي الخوارج، لأن فكرة الخوارج بدأت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين {كان النبي يقسم غنائم حنين، فكان يعطي المؤلفة قلوبهم، ويترك بعض المهاجرين والأنصار، حتى وجد بعض الأنصار في أنفسهم}، فكان بعض الأعراب يذهب بالألف أو الألفين من الغنم والإبل، فخرج منهم رجل له كساء، غائر العينين، شعث الشعر -كما في الحديث- {فقَالَ: اعدل يا محمد! إنها لقسمةٌ ما أريد بها وجه الله -والعياذ بالله- فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل؟} فهو الذي شرع شريعة العدل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلمنا إياها من عند ربه عَزَّ وَجَلَّ، ولكن هذا من ضيق لبه وجهله وقلة علمه، وعدم مراعاته للمقاصد والأحكام التي يراعيها الشارع في أحكامه فقد رأى أن هذه القسمة ليست عادلة، فاعترض عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر} لما اتهمه قومه بأنه آدر، فما زالوا يتهمونه حتى برأه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وكذب قولهم، وغير ذلك مما أوذي به موسى عَلَيْهِ السَّلام.
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر}، ثُمَّ قَالَ: {يخرج من صلب هذا أقوام تحقرون صلاتكم إِلَى صلاتهم، وقراءتكم إِلَى قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية}.
وثبت قوله في أحاديث كثيرة في قتال الخوارج {لئن أدركتهم لأقتلنهم} فأول فرقة مستقلة لها غاية، وتجمع كانت هي الخوارج. ومن مبادئهم التكفير بالذنب، وهم أصحاب الوعيد، حيث يأخذون الوعيد ويتركون الوعد، فيكفرون الزاني وشارب الخمر والسارق ونحو ذلك.
ويجاب عن ذلك أن الله قد جعل للمرتد عقوبة القتل، وللزاني الرجم، فإن كَانَ بكراً فعقوبته الجلد، وللسارق عقوبة القطع، فلو كَانَ الجميع يكفرون لكان الحد واحداً وهو القتل، والردود عليهم كثيرة.

وخرج هَؤُلاءِ في عهد عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لما حكّم الحكمين، فَقَالُوا: لا حكم إلاّ لله، حكمت الرجال في دين الله؟ فخرجوا وأمّروا عليهم عبد الله بن وهب الواحدي وقيل غيره، لكن هذا الذي اشتهرت إمرته، ورفضوا بيعة عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالُوا: لا نبايع إلاّ مثل عُمَر، وإلاّ فلن نبايع، فبايعوا عبد الله بن وهب، وهو أعرابي جلف ليس له صحبة، ولا شهد له الله بخير كما يقول ابن حزم.
وظهرت الشيعة بمبدأ التعطيل، كفكرة أولى هي موجودة في أمثال عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسس دين الشيعة منذ أن أثار الفتنة عَلَى عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فبداية الفرقة موجودة، لكن ظهرت كفرقة واضحة عندما خرج الخوارج وكفّروا علياً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.